لا أريد من سفري أيّ وصول | شعر

عين الثور | لين رادين

 

جرّدني الخواء

من رغبةٍ آسفةٍ بالضحك

من قدرةٍ شرهةٍ على الحبّ

من دافعٍ عَطِشٍ للعطاء.

 

كلّ شيءٍ حولي يحمل وجهةً واحدة

الأغنيات ترتدّ مخاوفَ

والتحايا أمنيات

الألوان حزمةٌ بيضاء

والمشاعر على كثرتها، حزنٌ ينمو في الأعماق

ألمسه جليًّا في كلّ ما أرى.

 

أمرّ قرب النبع فأجد بالتدفّق

حاجةً عتيقةً للبكاء

وفي وجوه أطفالٍ يضحكون

لا أرى سوى الدمعة المنسابة

*

 

أريدك إلى جواري

بأقلّ قدراتك على الحبّ

‏بأكثرها ضآلةً إن شئتَ

‏بابتسامةٍ أخمّنها ولا أعرفها

‏بعناقٍ أقدّره دون أن يحدث

‏لا أرجو الخلود في رحلتي هذه

‏لا أنشد الذكرى

بالقليل الّذي يبعث على اليأس

أناديك

مثل نسيمٍ يلاطف وحدتي في دربٍ طويل،

مثل طريقةٍ واحدةٍ للاعتذار

‏أحلّ بها كلّ مشاكلي

*

 

في الخارج

ترعى الريح الزجاجات الفارغة، إلى احتمال نفادها

والجرس في عنق الشياه يسمّي رجوعها

وكلّ شيءٍ يحدّث عن عودةٍ ما

أقرأ رسائل الطبيعة بطريقةٍ مركّبة

بمشاهد بصريّةٍ أملكها للأصوات

بمذاقٍ دقيقٍ للروائح في فمي

إلى ادّعاء الإسمنت أنّه بيتي، أعود

وتحوم روحي

بظنونٍ شيّقةٍ

مثل نحلةٍ

فوق بيت الحبق

*

 

أقف بالمنتصف

في منطقة غياب الراحة

لأجل كذبة التوازن

مثل حاجةٍ مربكةٍ للضحك،

بينما الرغبة لحوحةٌ في البكاء

مثل انطلاقةٍ ساحرةٍ بالغناء،

بينما القصد في الأعماق العويل

مثل أمنيةٍ عالقةٍ بالتمادي

أو الانهيار

تدفعني الخيبة إلى نسيانك،

فلا أقدر

ويشدّني الحنين إلى تذكّرك،

فلا أجرؤ

*

 

أعيش ساعاتٍ طوالًا

داخل تجاربَ قصيرةٍ.

اليوم مثلًا

في بواكير الليمون الغضّة،

قبل أن تصبح أغصانًا

بعد أن كنتُ أيّامًا عديدةً

في دموع الثور

الّتي تلمع

مثل مآلٍ

أو لعنةٍ

في كلّ عينٍ أصادفها

وأمام أيّ نصل

*

 

أعرف القصيدة الزائلة

وتلك الّتي لا تُنْسى

كيف تحفر في الأعماق

أو تضيف نجومًا في السماء

كيف تخيط مثل مسلّةٍ

أو عزاءٍ

الجراح والضحكات

موقِفَةً نزيفهما أبدًا

دون أن يغفل أثرهما مرّة

*

 

لم أتجاوز مرّةً

أيَّ نجمةٍ في السماء

أيَّ شجرةٍ في طريقي

والفتاة المرتابة

الّتي تحدّق بغيابي،

بعد أن تلاقت أعيننا عشرات المرّات

رمت نافذتي بحجرٍ وهَرَبَتْ

لو أنّ الأسئلة تلوي عنقها

باتّجاهي

لهمستُ لها ما يُطَمْئِنُها

بأنّ الحشرات تخبّئ في صوتها الليل والفصول

وأنّ أصابعي خشنةٌ ومدمّاة،

ومع هذا أحملها معي كلّ ليلةٍ إلى السرير

وإنّني أعتنق من حيث لا تدري

عقيدة السؤال

لذا تأخذ نظراتي إلى مَنْ يعرفها

عادةً

شكل منجلٍ

وانحناءة خطّاف

*

 

في سبيل احتضانك

أتكوّن حولك

مثل هالةٍ

عرفتُ نفسي في أوائل الأشياء

في الغسق واللِّبَأ والبواكير

أَحْدُث بالضرورة لوقتٍ قصير

وأظلّ في الصورة ماثلةً

مثل لونٍ

يبقى أثره

حتّى بعد أن يزول

صفاؤه

*

 

أفضل ما في الطريق

أنّها تظلّ مدهشةً مهما عبرتها

أسافر بين المدن

ولا أريد من سفري هذا

أيّ وصول

أظنّ بالأسرّة تحت السقوف

محطّات استراحةٍ

وإن كان اسمها بيتًا

ومفادها في اللغة

وبين الناس

هدأةٌ وهدف

 

هذا نيسان

ترعى دروبه رائحة العشب

وعلى نوافذ حافلاته

أترك رأسي طليقًا في الريح

فتعود الخيبات إلى الماضي

بأسماءَ عديدةٍ

خسارةٌ أو تجربة

ويحملني الكون الرؤوف على السكون

ذلك أنّ أعظم خطاياي

كان

سببها الحبّ

لا الكراهية

*

 

هناك ممرٌّ فارغٌ في رأسي

وهذه إحدى مزاياه

يملأ الصمت أرجاءه كهلامٍ

كلّما أردت إجابةً عن تساؤل يشغلني

أذهب إليه

منذ سنواتٍ

وأنا أفكّر بأفضل نسخةٍ عرفتها من نفسي

غير أنّ كلّ الاحتمالات الّتي أحصل عليها

لا تجيب

وهذا مآلٌ يصعب عليّ قوله

حيث الأيّام في جسدي

مثل عيبٍ خلقيٍّ

 يميّزني وأنكره.

أمام ممرٍّ فارغٍ

 

منذ سنواتٍ طوالٍ

أختار بإفراطٍ

كلّ تجربةٍ أريدها،

وصرير الأبواب الصدأة في ظهيرةٍ ماثلةٍ

كنهايةٍ منصفة

*

 

الشعر ليس صيدًا أو طريدة

لأقبض عليه

إنّه يعيش حرًّا في النظرة

حيث بذرة الشقاء وبذرة الرفاه تجتمعان

بالتفاتةٍ واحدةٍ

أمنح الكون الماثل منذ البدء

قصّةً ما

بإيماءةٍ دافئةٍ

أجعل الكلاب الشاردة، مطمئنّةً في قصيدتي

والريح الشرقيّة، عليلةً في الفؤاد

وبنظرةٍ برّاقةٍ

تندلع الفراشات كالنيران

تحمل وصايا الخاسرين

وتحلّق بالفتنة والرغبات

مرّي أيّتها الجميلة

مرّي أمام المآسي كلّها

واجعلي القلب المكسور

شرّيرًا

*

 

إلى الأيّام:

تركضين بي مثل نمرةٍ

تريد شيئًا بعيدًا لكنّه مجهول

تشيعين وهم الرغبة،

بافتراسٍ ما

فتموت الغزلان والثيران تحسّبًا

وتعدو الحُمُر الوحشيّة في الشعاب

وحيثما تريد مشيئتكَ بعد كلّ عبورٍ

وصولًا مترفّعًا

لا يأخذ الأهداف على محمل الجدّ

عندما يكون مفادها التعقّب

 


 

آمنة أبو صفط

 

 

 

شاعرة من نابلس. درست بكالوريوس علم النفسـ تخصّص الإرشاد النفسيّ، وماجستير علم الاجتماع.